أميركا وصناعة الرفاهية
من متجر جوتشي الذي تبلغ مساحته 10 آلاف قدم مربع في موقع مصنع سابق لأقلام الرصاص في حي سوهو في نيويورك إلى متجر هيرميس المؤلف من طابقين في مركز تسوق ضخم في نيوجيرسي، ينبض قلب أميركا بحب الفخامة.
وهذا أمر جيد بالنسبة للصناعة، لأنه مع إغلاق شنغهاي وإمكانية تضرر الطلب الأوروبي من الحرب في أوكرانيا، بدأت الولايات المتحدة مرةً أخرى تتصدر مشهدَ سلع الرفاهية. وفي عام 2021، قادت الولايات المتحدة، وليس الصين، نمو قطاع سلع الرفاهية.
وعزز ارتفاعُ أسواق الأسهم والعملات المشفرة الثروةَ، وشجَّعت نفقاتُ تحفيز الاقتصاد عدداً من المتسوقين للإقبال على سوق البضائع الراقية. ولم يكتف الأثرياء بالإقبال الشديد على شراء حقائب ديور ومجوهرات كارتييه، بل تصدروا أيضاً شراءَ الأعمال الفنية، بحسب «تقرير السوق العالمية للفنون لآرت بازل ويو. بي. إس». وساعد ذلك السوقَ بشكل عام على تجاوز مستويات ما قبل الجائحة. وتساعد عوامل هيكليةٌ أيضاً على انتشار مبيعات السلع الفاخرة. صحيح أن شركات المنتجات الراقية لطالما تركزت في معاقل البيع بالتجزئة في نيويورك ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وشيكاغو، لكن هذا يتغير الآن.
فقد انتقل كثير من الأميركيين أثناء الجائحة من أماكن سكناهم، وانتقل سكان من نيويورك إلى فلوريدا وسكان من كاليفورنيا إلى أريزونا وتكساس، لكنهم حملوا معهم شهيتهم للاستهلاك، وأذكَوا الطلبَ على السلع الفاخرة في مدن تمتد من سكوتسديل إلى شارلوت وسينسيناتي وناشفيل. وهو ما دشَّنَ سباقاً للحصول على مساحات مميزة في متاجر البيع بالتجزئة، وأدى إلى ارتفاع الإيجارات في المساحات الأكثر تميزاً.
وفي الماضي، كانت العلامات التجارية تقتصر على افتتاح متاجر رئيسية عملاقة في شوارع شهيرة مثل «فيفث أفنيو» أو «روديو درايف».. لكنها تستحوذ الآن على مواقع كبيرة في مراكز التسوق في الضواحي ويستكشفون الانتقال الآن إلى المتاجر في الضواحي المحلية والمنتجعات الثرية. ومن الحوافز الأخرى للانتقال نحو «الضواحي» موجةُ سرقة المتاجر في بعض مراكز المدن، بما في ذلك لوس أنجلوس وشيكاجو. ونتيجة لذلك، تعيد مجموعة «كيرينج» الفرنسية للسلع الراقية تقييمَ المكان الذي تُقِيم فيه متاجرَها. فهي تفتتح وتجدد منافذ جوتشي في جميع أنحاء الولايات المتحدة، كي تظهر لأول مرة في مدينة أوستن بولاية تكساس. وتحقق جوتشي 27% تقريباً من إيراداتها في أميركا الشمالية.
وسيتبع ذلك المزيدُ من المتاجر الجديدة، من بينها متاجر في أتلانتا بولاية جورجيا وساكرامنتو بولاية كاليفورنيا. وأعلن مركز تسوق «أميركان دريم» في نيوجيرسي، مؤخراً، أن «كيرينج» ستستأجر موقعاً بمساحة 10 آلاف قدم مربع لصالح جوتشي. ولم يقتصر نشاط «كيرينج» على أكبر علامتها التجارية بل شمل علامات أخرى مثل «سان لوران» التي تعمل أيضاً على توسيع وجودها في مركز «أميركان دريم».
ونشطت أيضاً شركةُ «مويت إينسي لوي فيتون» (إل. في. إم. أتش.) التي تحقق 26% تقريباً من مبيعاتها في الولايات المتحدة. ومن بين مواقعها الجديدة، متجر لوي فيتون في مركز «هدسون ياردز» للتسوق في مانهاتن، ليحل محل المنفذ السابق في مركز «نيومان ماركوس» المغلق الآن. وتقوم «إل. في. إم. أتش» أيضاً بتجديد متاجر «تيفاني» بعد الاستحواذ عليها العام الماضي. وكيرينج و«إل. في. إم. أتش» ليستا وحدهما. فشركة «لانفين جروب» التي من بين مالكيها شركة «فوصن» الصينية، تعتزم إدراجَ اسمها في بورصة نيويورك عبر شركة استحواذ ذات غرض خاص.
وستستخدم جزءاً من العائدات لفتح 200 متجر في السنوات الثلاث المقبلة، في كل من آسيا والولايات المتحدة. وتواجه جميع شركات البضائع الراقية التي تتوسع في الولايات المتحدة خطر انفجار فقاعة الفخامة الأميركية. وحذَّرت مجموعة «إتش. آر» للمفروشات المنزلية الفاخرة، من ضعف الطلب في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في أواخر فبراير.
وحتى الآن، لم يظهر هذا في مبيعات السلع الفاخرة في الولايات المتحدة، على الرغم من تراجع زيارات المتاجر في شهر مارس، وفقاً لشركة «Placer.ai» التي تقيم حركة الإقبال على المتاجر. لكن نظراً لأن التوقعات الاقتصادية أصبحت قاتمةً في مناطق أخرى من العالم، عادت الولايات المتحدة لتصبح أفضل أمل لصناعة الرفاهية. وانسحب منتجو السلع الفاخرة من روسيا، وخسروا عائداتهم هناك منذ العملية العسكرية في أوكرانيا، على الرغم من أن مبيعاتهم هناك لا تتجاوز 5% من مبيعاتهم العالمية. ومع ذلك، فقد يكون لهذا تأثير بالتبعية في أوروبا.
فحقائب اليد والساعات السويسرية باهظة الثمن تعتبر مخزناً للقيمة في أوقات الأزمات، لكن مع تزايد الشكوك، قد تتضاءل جاذبيتها. كما قد يصبح السائحون من الولايات المتحدة وبعض مناطق آسيا أكثر تردداً في زيارة أوروبا.
وفي الوقت الحالي تخضع شنغهاي، وهي أكبر مصدر لمبيعات الرفاهية في الصين لحالة إغلاق جديدة. ولا غرابة إن تراجع تقييم شركات سلع الرفاهية لذلك السبب. وعلى المدى الطويل، يُتوقع أن تعزز الصين نمو الصناعة، حيث يشتري أكبر عدد من المستهلكين في العالم السلعَ الفاخرةَ. لكن في الوقت الحالي، هناك بديل جيد يتمثل في المتسوقين في حي «ميتبيكينج» في مدينة نيويورك الذين ينتقلون من الأفرع الراقية لمقاهي «ستاربكس» إلى متاجر هيرميس ورولكس القريبة.
أندريا فيلستيد*
*صحفية متخصصة في شؤون المستهلكين وتجارة التجزئة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»